بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء
والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين
أما بعد:-
اعلــم أخي رحــمـــك الله
أنه يجب على كل إنسان مسلم أن يتفقه في الدين سواءٌ كان ذكراً أو
أنثى ليكن على بصيرة في عباداته ومعاملاته وفي حياته كلها حيث
قال النبي صلى الله عليه وسلم ((طلب العلم فريضة على كل مسلــم))
وقد جاء في فضل التفقه في الدين حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) .
واعلم أن العلم نور للعباد في الحياة الدنيا وسبب الرفعة في الدنيا والآخرة كما قال الله جل وعلا((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))
قال الشوكاني في تفسير للأية { يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ } في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيهما { والذين أُوتُواْ العلم درجات } أي : ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الآخرة ، ومعنى الآية : أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات ، ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات
ثم رفعه بعلمه درجات ، وقيل : المراد بالذين آمنوا من الصحابة ، وكذلك الذين أوتوا العلم ، وقيل : المراد بالذين أوتوا العلم الذين قرءوا القــرآن
والأولى حمل الآية على العموم في كل مؤمن ، وكل صاحب علم من علوم الدين من جميع أهل هذه الملة ، ولا دليل يدلّ على تخصيص الآية بالبعض دون البعض ، وفي هذه الآية فضيلة عظيمة للعلم وأهله ، وقد دلّ على فضله وفضلهم آيات قرآنية وأحاديث نبوية، { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من أعمالكم من خير وشرّ ، فهو مجازيكم بالخير خيراً وبالشرّ شراً
وقد جاء حديث عظيم فيمن تفقه في الدين عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ
- صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَثَلُ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلــَتِ الْمـَاءَفَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمـَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِىَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً فَذَلِكَ مَثَـلُ مَنْ فَقِهَ فِى دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِفَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ »
قال المهلب: فيه ضرب الأمثال فى الدين، والعلم، والتعليم.
وفيه: أنه لا يقبل ما أنزل الله من الهدى والدين إلا من كان قبله نقيا من الإشراك والشك.
فالتى قَبِلَت العلم والهُدى كالأرض المتعطشة إليه، فهى تنتفع به فتحيا فتنبت.
فكذلك هذه القلوب البريئة من الشك والشرك، المتعطشة إلى معالم الهدى والدين، إذا وَعَت العلم حَيَتْ به، فعملت وأنبتت بما تحيا به أرماق الناس المحتاجين إلى مثل ما كانت القلوب الواعية تحتاج إليه.
ومن الناس من قلوبهم متهيئة لقبول العلم لكنها ليس لها رسوخ، فهى تقبل وتمسك حتى يأتى متعطش فيروىَ منها ويَرِدُ على منهل يحيا به، وتسقى به أرض نقيَّة فتنبت وتثمر، وهذه حال من ينقل العلم ولا يعرفه ولا يفهمه.
تمت ومنها قيعان - يعنى قلوبًا تسمع الكلام، فلا تحفظه، ولا تفهمه، فهى لا تنتفع به، ولا تنبت شيئًا، كالسِّباخ المالحة التى لا تمسك الماء ولا تنبت كلأ.
ولاحول ولا قوة إلا بالله
أسال الله العظيم بمنه وكرمه أن يفقنا في الدين وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا